أرشيف

اليمنيون يبحثون عن “الوحدة المفقودة”

تحل اليوم الأحد الذكرى ال21 لتحقيق الوحدة اليمنية، لكن اليمنيين يحتفلون بها وهم منقسمون بمثل هذه الحدة على مستوى البلد بشكل كامل، شمالاً وجنوباً، وإن وحّدتهم مطالب التغيير التي بدأت مع الرياح التي هبت من تونس ومصر قبل أشهر عدة .
لم يكن اليمنيون بمثل هذا الانقسام كما هم عليه اليوم، إذا ما استثنينا العام ،1994 عندما اندلعت الحرب الأهلية وأعلن نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض دولة الانفصال التي لم تعمر لأيام، إذ إن الإعلان كان سبباً في تلاحق الأحداث وأدت إلى ما أدت إليه من خروج الحزب الإشتراكي اليمني من المعادلة السياسية في دولة الوحدة، وتحول الرئيس علي عبد الله صالح إلى لاعب وحيد، فألغى الرئاسة الجماعية وعدل الدستور ليبقى رئيساً لا ينافسه في حكمه أحد، وأقصى الجنوب ككل من الشراكة في بناء دولة الوحدة، فتحولت دولة الجنوب السابقة إلى مجرد “فرع عاد إلى الأصل “، كما قال ذات يوم رئيس البرلمان السابق الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وعادت أدوات الجمهورية العربية اليمنية لتهيمن على دولة الوحدة، إذ لم يبق من دولة الجنوب سوى النشيد الوطني فقط، أما السياسيون والعسكريون فقد تحولوا إلى مجرد رموز، وتحول معظم أفراد الجيش إلى مجرد ضباط وأفراد لا يستشارون، وأحيل الكثير من كوادر الحزب الاشتراكي إلى التقاعد، وفوق ذلك كله وقعت “هبة ضخمة” للاستيلاء على أراضي الجنوب، فتحولت الأراضي في عدن وحضرموت بالذات إلى “فيد” استفاد منه رموز النظام الجديد، شماليون وجنوبيون على السواء .
اليوم، وبعد 21 عاماً من الوحدة يعود اليمنيون إلى تذكر اللحظة التأريخية التي صنعها قادة الشمال والجنوب، وعلى رأسهم الرئيسان صالح والبيض لتأسيس جمهورية جديدة، ورفع صالح وإلى جانبه البيض علم دولة الوحدة من “القصر المدور” في عدن، على أمل أن تحمل الوحدة آمال اليمنيين كافة في شراكة حقيقية يؤخذ بالأفضل عوضاً عن هيمنة طرف على آخر .
لكن بعد أشهر قليلة دبت الخلافات بين فرقاء الدولة الجديدة، ولم يستمر شهر العسل كثيراً، إذ كانت حرب الخليج التي اندلعت العام 1990 سبباً في تباعد صناع الوحدة عن بعضهم بعضاً، واندلعت أزمة سياسية العام 1993 ثم حرب العام 1994 التي أحرقت الأخضر واليابس وحصدت آلاف الأرواح وكبدت البلد مليارات الدولارات، قبل أن يجد الشريك الثاني الموقع على اتفاقية إقامة دولة الوحدة، وهو البيض نفسه منفياً قبل أن يخرج للعلن قبل نحو عامين وأكثر قليلاً ويبدأ بمشاغبة النظام بتصريحات وخطب ومقابلات تدعو إلى الانفصال .
طوال هذه السنوات جرت مياه كثيرة، وتغير الكثير من المفاهيم وتبدل الكثير من الحقائق على الأرض . وقبل أربع سنوات خرج الجنوبيون للمطالبة بحقوقهم ليكونوا شركاء أساسيين في دولة من المفترض أن تضم الجميع، وعندما تم التصدي لهم بالقمع وقتل منهم الكثير، تحولت المطالب من مطالب حقوقية إلى مطالب بالانفصال وب “فك الارتباط” الذي أعلن عنه البيض أكثر من مرة .
وقبل ثلاثة أشهر عمت اليمن كله مظاهرات تطالب بالتغيير عبر إسقاط النظام ورحيل الرئيس صالح، بعد أن ظل يحكم لمدة 33 عاماً، اختلفت الشخوص والأحداث وبقي هو صامداً مع الكثير من أركان حكمه .
ويبدو أن الطريق الذي اختطته الجماهير اليمنية كان صعباً، فقد دفع الشباب الذين نزلوا إلى ساحات التغيير الكثير من الدماء والأرواح، إضافة إلى آلاف الجرحى، وتحولت مناسبة هذا العام إلى مناسبة لاستعادة الوحدة المفقودة، فتجاوب الشمال مع الجنوب وتعاطف الجنوبيون مع الشمال، وصارت حناجر شباب التغيير في عدن وحضرموت وشبوة تهتف لصنعاء، وشباب ساحة التغيير تنادي صنعاء وصعدة وحجة وإب، ووحدت مطالب التغيير الجميع وأسقط مشروع الانفصال، فقد كان الكثير يخشى من غياب هذه المشاعر التي كانت موجودة قبل الوحدة أن تضيع، لكن المشروع الكبير المتمثل بالتغيير قضى على المشروعات الصغيرة، فالتظاهرات التي كانت تخرج في الجنوب لم يكن يرفع فيها سوى علم دولة الوحدة، وصارت حناجر أبناء حضرموت، وهي تحدث لأول مرة منذ سنوات طويلة، تهتف “بالروح بالدم نفديك يا صنعاء”، وأبناء صنعاء خصصوا جمعة للوفاء للجنوب، وامتلأت ساحة التغيير فيها بالقصائد والأشعار والهتافات لعدن وحضرموت والضالع ولحج، وتوجهت قافلة من تعز إلى ساحات الاعتصام في عدن وقافلة من الضالع تصعد للمشاركة في ساحة التغيير بصنعاء، ليؤكد اليمنيون عمق التلاحم بينهم الذي خربته سنوات ما بعد الحرب. السؤال اليوم: كيف هو شعور اليمنيين بعيد الوحدة ال 21؟ لا شك أن مشاعر الجميع متضاربة، لكنها تلتقي حول هدف واحد هو التغيير وليس فقط إسقاط النظام، تغيير يعيد لليمن عافيته المفقودة، وأن يكون شريكاً فاعلاً في محيطه الإقليمي والدولي، وأن يجد اليمنيون أنفسهم في دولة يحكمها القانون والمواطنة المتساوية، ولن يكون أي تغيير قادم مفيداً ما لم يحمل هذه الآمال التي يرنو إليها كل يمني .

المصدر-الخليج – صادق ناشر

زر الذهاب إلى الأعلى